بدو مطروح طقوس الشتاء بين الأصالة والصبر على قسوة الطبيعة
في أقصى الشمال الغربي لمصر، وتحديدًا في محافظة مطروح، يستقبل البدو فصل الشتاء بطقوس وعادات ضاربة في عمق التاريخ، تتجلى فيها روح التكيّف مع البيئة القاسية، والاعتزاز بالأصالة، والتمسك بتقاليد أجدادهم.
بدو مطروح: طقوس الشتاء بين الأصالة والصبر على قسوة الطبيعة
رغم قسوة البرد، وصعوبة المعيشة أحيانًا، إلا أن الشتاء له مكانة خاصة في قلوب البدو، فهو يحمل في طياته أملًا في المطر، وموسمًا لدفء العلاقات الاجتماعية، وسهرات الحكايات حول نار الحطب.
استعداد مبكر وتقلبات مناخية
مع أواخر الخريف، تبدأ التجهيزات المبكرة للشتاء. يعتمد البدو في مطروح على خبراتهم المتوارثة في التنبؤ بالطقس من خلال مراقبة حركة الرياح، وسلوك الحيوانات، وحتى شكل الغيوم.
ويُعرف شتاء مطروح بأنه بارد ورطب، لا سيما أن رياحه تأتي من البحر المتوسط، وتزداد قسوته على مرتفعات الهضاب وأطراف الصحراء.
اللباس البدوي حماية وأناقة
يرتدي الرجال العباءات الصوفية الثقيلة، والكوفيّات الملفوفة بإحكام حول الرأس والعنق لحمايتهم من الرياح الباردة. أما النساء، فلهن ثياب سوداء مزركشة بخيوط ملونة أو فضية، تُخاط يدويًا وتعكس الهوية البدوية الفريدة.
النار قلب الحياة في الشتاء
النار المشتعلة في "المربوعة" أو "الديوانية" هي محور الحياة الاجتماعية شتاءً. يجتمع الرجال ليلًا حول لهب الحطب، يشربون القهوة العربية، ويتبادلون القصص، والأمثال، والأشعار الشعبية.
ويُستخدم في إشعال النار أخشاب شجر الطلح أو السمر، لما لها من قدرة على الاحتراق طويلًا دون دخان كثيف.
الطعام دفء من المطبخ البدوي
يُعرف شتاء مطروح بتنوع أطباقه التقليدية التي تمنح الدفء والطاقة، ومن أشهرها:-
العصيدة: من الدقيق والماء والسمن، وتُقدّم ساخنة.
الكسكسي: يُطهى باللحم أو اللبن.
البازين: أكلة شهيرة خاصة في القبائل القريبة من الحدود الليبية.
اللبن الجملي، التمر، وزيت الزيتون: عناصر أساسية في غذاء الشتاء.
انتظار المطر موسم الخير
يمثل نزول المطر حدثًا ينتظره الجميع بفارغ الصبر، فهو يُبشّر بموسم الزراعة ورعي الأغنام. يزرع البدو الشعير بشكل أساسي، ويخرج الرعاة مبكرًا مع مواشيهم بحثًا عن المراعي الخضراء التي تنبت بعد المطر.
العلاقات الاجتماعية دفء لا ينقطع
يُعرف الشتاء في مطروح بأنه موسم التقارب والتآلف. تكثر الزيارات بين العائلات، وتُقام السمرات الليلية، وتُحكى فيها القصص التي توثق بطولات القبائل، وتُعلّم الأجيال الجديدة أصول العادات والتقاليد.
كما يُحيي بعضهم ألوانًا من الفن البدوي مثل "الحداء" و"الزجل"، حيث تُلقى الأشعار حول الفخر بالأرض والقبيلة والكرم.
الشتاء في مطروححين تتحدث الأرض بلغتها
في صحراء مطروح، لا يُقاس الشتاء بدرجات الحرارة فقط، بل يُقاس بكمية المطر، وعدد السهرات، ودفء النخوة البدوية. هو فصل تُختبر فيه قدرة الإنسان على التأقلم، وتُروى فيه قصص الصبر، وتُحفظ فيه الموروثات من الاندثاررغم تغير الزمن، لا تزال عادات بدو مطروح ثابتة كالرمال التي لم تفرط يومًا في سرها. ومع كل شتاء جديد، تُكتب حكاية جديدة على صفحات الصحراء.










