الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

هزمت السجّان بالقلم.. الأسير المحرر والكاتب الحاصل على جائزة البوكر باسم خندقجي: الكلمة أقوى من الرصاص والكتابة بالسجن فعل اشتباك حقيقي| حوار

الأسير الفلسطيني
تقارير وتحقيقات
الأسير الفلسطيني المحر والأديب باسم خندقجي
الأربعاء 15/أكتوبر/2025 - 07:19 ص

أكثر من عشرين عامًا قضاها الأسير المحرر والكاتب والروائي الفلسطيني باسم خندقجي، خلف قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلي، دخل السجن شابًا يافعًا، وخرج منه رجلًا صلبًا جلدًا، حاول السجّان كسره بثلاث مؤبّدات، لكنه من حيث لا يدري منحه هدية العمر؛ ففي عتمة الزنازين الكئيبة تفجّرت موهبته الحقيقية في الكتابة، ليهزم سجّانه بالكلمة لا بالسلاح، وهو ما تحقق بوصف الراحل والشاعر محمود درويش "السجن كثافة”، حوى التجربة الإنسانية والفكرية والشعورية من المعاناة، الأمل، الصبر، التأمل، الكتابة، الاشتياق، الحنين لتمتزج وتنصهر جميعها فتكون الوعي والإبداع.

وبعيدًا عن ضجيج الرصاص وأزيز الصواريخ، اختار "خندقجي" طريقًا آخر للنضال؛ صراط الكلمة الذي لا يعرف إعوجاجا ولا ميلا، فقد جعل من القلم وطنًا، ومن المعاناة فعل مقاومة، فكانت كلماته صوتًا للحرية، وسلاحًا في وجه القيد. ومن إصداره الأول بعنوان “مسودات عاشق وطن” إلى الشعر والروايات، رسّخ اسمه كواحد من أبرز الأصوات الأدبية الفلسطينية التي خرجت من رحم الأسر، وسرعان ما خطف عام 2024، الأضواء بفوزه بجائزة البوكر العربية عن روايته "قناع بلون السماء"، التي جمعت بين الذاكرة والهوية والمقاومة، لتعلن للعالم أن كلمته نالت حريتها قبل أن ينالها جسده.

منذ يومين فقط من كتابة تلك السطور، خرج خندقجي محررًا مبعدًا من سجون الاحتلال الإسرائيلي بموجب اتفاق تبادل، ووصل إلى القاهرة التي كانت أولى محطاته بعد حصوله على حريته، ونجحنا بعد ساعات طوال من التواصل معه في مقر إقامته، ليفتح لنا قلبه ووجدانه، متحدثًا إلى القاهرة 24 في حوار إنساني عن الكاتب والمناضل والإنسان الذي طالما حلم بهذا الضوء القادم من بعيد لنيل حريته، وإلى نص الحوار…….. 

س/ اعتقلكم الاحتلال الإسرائيلي وأنتم في الجامعة منذ أكثر من 20 عاما؟ ما شعوركم وأنتم تنعمون بالحرية بعد كل هذه السنوات الصعاب داخل سجون الاحتلال؟

صحيح، فقد دخلت السجن وأنا لم أتجاوز الحادية والعشرين من عمري، وخرجت وأنا أقترب من الثانية والأربعين، وحكم عليّ بالسجن المؤبد ثلاث مرات، واليوم أعيش مشاعر يصعب وصفها، مزيج من الفخر والاعتزاز والفرح والحزن في آنٍ واحد.

فرحٌ بالحرية والتحرر، بالانتقال إلى عالم جديد، والانبعاث من “مقبرة الأحياء” إلى واقع الأحياء، وحزنٌ على من تركناهم خلفنا من الأسرى الفلسطينيين الذين ناضلوا من أجل الحرية ويستحقونها مثلنا، لكنهم لم يحالفهم الحظ بالانضمام إلى صفقة التبادل المشرفة التي أنجزتها المقاومة الفلسطينية وصمود شعبنا العظيم في قطاع غزة.

س/ بعد ساعات من وصولكم مصر؟ كيف تصف هذا الشعور الآن وتلك الحقيقة وأنت حر؟

شعوري اليوم لا يمكن وصفه، فحين كنا في الأسر وسمعنا أحد الأسرى في مقابلة صحفية يقول إنه لا يستطيع وصف شعوره، أدركت أنه كان صادقًا تمامًا، واليوم أعيش هذا المعنى؛ أعيش الحلم ذاته، ما زلت لا أستوعب هذه اللحظة ولا أقدر على إدراكها حتى الآن.

س/ بالتطرق إلى مسيرتك الأدبية والكتابة، متى ظهرت موهبتكم قبل السجن أم تفجرت خلف قضبان الاحتلال؟

تجربتي الحقيقية في الكتابة، أو بالأحرى تجربتي الاحترافية، بدأت في السجن، وكانت الدوافع وراء الكتابة متجذّرة في نية السجّان الصهيوني لكسر إرادة الأسير الفلسطيني باستخدام سياسات تهدف إلى تدميره نفسيًا وجعله مجرد جسد خاوي داخل المعطف.

لكنني على المستوى الشخصي، حولت هذا الخراب كله إلى طاقة خلاقة، وحولت المعاناة إلى دافع للكتابة الأدبية، وكانت الكتابة بالنسبة لي داخل المعتقل فعل تحرر وفعل مقاومة في الوقت ذاته، من خلالها حافظت على ذاتي وعلى إرادتي وأملي بالحرية، ويمكن أن أصف تجربة الكتابة داخل السجن بأنها “مميزة” تعبّر عن الكثافة الحقيقية التي تحدث عنها شاعرنا الكبير الراحل محمود درويش حين قال: “السجن كثافة”، وتلك الكثافة منحت الكاتب الأسير القدرة على الإبداع والتطور رغم القيد.

س/ كيف ترى العلاقة بين الأدب والمقاومة؟ وهل تعتبر الكتابة شكلًا من أشكال النضال؟

أرى أن الكتابة من داخل السجن تعد “فعل اشتباك حقيقي” حين يقرر الأسير أن يكتب، يتحول من مجرد أسير إلى مطارد أيضًا، لأن السجان يبدأ بمطاردة كلماته، بمصادرتها ومحاولة محوها وإبعاده عنها وهو ما تم معنا من خلال منع أي من أدوات الكتابة من أوراق وأقلام وكتب، وحينها تصبح الكتابة إذًا جزءًا من فعل المقاومة الشامل. 

وهنا أذكر أنه عندما فزت بجائزة الرواية العربية "البوكر"، استدعاني جهاز الشاباك للتحقيق، وكانوا مستفَزين جدًا من حصولي على الجائزة، حتى شعرت أنني اشتبكت معهم اشتباكًا مسلحًا بالأسحلة وليس بالكلمة، قلت للمحقق حينها: “لو كنت أعلم أن كلماتي ستؤثر بكم إلى هذه الدرجة وتوقع بكم كل هذا الاضطراب، لكتبت ألف كتاب.”

س/ في العام الماضي، وبين جدران السجن، حصدت روايتك «قناع بلون السماء» جائزة الرواية العربية "البوكر" لعام 2024.. كيف عشت تلك اللحظة؟ وماذا مثل لك هذا التتويج وأنت خلف القضبان؟

نلت الجائزة في فترة صعبة جدًا، تزامنت مع الحرب الصهيونية على قطاع غزة، كنت أشعر أن تحقيق هذا الإنجاز هو تحقيق لحلم طال انتظاره، ويمكن وصف شعوري حينها بأنه كان مركبًا ومختلفًا، وتوقعت أن تصل الرواية إلى مراحل متقدمة في الجائزة، لكنني لم أكن أتخيل أن أفوز بها فعلًا، ومع ذلك، لم أستطع أن أحتفل كما يجب، لأنني كنت أتابع معاناة شعبي تحت القصف، وأشاهد الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أبناء غزة.

ولا أخفيك سرًا أن فوزي بالجائزة جعلني أشعر بأنني أكثر التحامًا مع نضال وصمود شعبي في غزة، وشعرت أن انتصاري الأدبي هو انتصار حقيقي لشعبي بأكمله، لا لي وحدي.

س/ ما الدور الذي تتمنى أن يلعبه المثقفون العرب في دعم القضية الفلسطينية بشكل أكبر؟

على المثقف العربي اليوم أن يعترف بضرورة ما أسميه “أدب الاشتباك”، أي الأدب القادر على مقاومة كل أشكال العنصرية والاستعمار عبر اختراق الوعي الاستعماري نفسه، والمطلوب من المثقف والمثقفة العربيين أن يبتعدا عن الصور النمطية التي اعتدناها في التعامل مع الأدب والمجتمع الصهيوني، وأن يعيدا قراءتهما من زاوية مضادة للاحتلال، تستخدم أدوات وعي جديدة، وبهذا يصبح المثقف العربي مثقفًا مشتَبِكًا، أكثر التحامًا مع نضال الشعب الفلسطيني.

كما أن المطلوب اليوم ألا نكتفي بأدب محلي، بل ننطلق من الأدب العربي إلى الأدب الكوني، فلدينا كعرب إمكانيات هائلة وتجارب أدبية وإنسانية قادرة على تمثيل شعوبنا عالميًا، فلماذا لا يكون أدبنا أدبًا كونيًا لا محليًا فقط؟

س/ خلال العامين الماضيين، استهدف الاحتلال المئات من الصحفيين والمراسلين في غزة، وضيّق الخناق على الكتّاب والمبدعين في الضفة والقدس. في رأيك، هل أصبحت الكلمة في نظر الاحتلال أخطر من الرصاص؟

دائمًا، الفكرة أقوى من الرصاص، والفكرة أوسع من عنصريتهم وأرّحب من فاشيتهم، فكلماتنا تقف ضد الفاشية، وضد إلغاء الإنسان، واستشهاد عشرات الصحفيين والصحفيات في غزة ما هو إلا دليل على حجم هذه الفاشية الإسرائيلية، خاصة وأن الفاشية في جوهرها فكرة تسعى لإقصاء الآخر وتفكيك إنسانيته. 

ونحن كشعب فلسطيني لا نملك ترسانة عسكرية، لكننا نملك الفكر، والفكرة هي التي تصنع الفعل، وفكرتنا ليست عنصرية، بل إنسانية، تنبع من قدرتنا على تشكيل مرجعية أخلاقية جديدة، تشكّل بوصلة للأدب الفلسطيني والعربي معًا، وتفتح أفقًا لتعبير نقيّ يعبّر عن عدالة قضيتنا وحقنا في الحياة.

س/ أدّت مصر خلال العامين الماضيين دورًا محوريًا في منع تهجير أهالي غزة، ودعمت القضية الفلسطينية وسعت للتوصل إلى اتفاق يضمن خروج الأسرى. ما الرسالة التي تود توجيهها إلى مصر والرئيس عبد الفتاح السيسي؟

الدور المصري محوري وأساسي في دعم الشعب الفلسطيني، ولطالما كانت مصر عمقنا الاستراتيجي تاريخيًا كشعب وقيادة، وحتى ونحن داخل الأسر، ورغم انقطاع الاتصال وشح المعلومات، كنت أدرك أن هناك دورًا مصريًا عظيمًا يُمارَس لمنع التهجير ولدعم قضيتنا ودائمال ما كنت أتحدث مع رفاقي بذلك، والأيام كفيلة بكشف حجم هذا الجهد الكبير الذي قامت به القيادة المصرية، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونجاح صفقة التبادل بدأ من صمود شعبنا، مرورًا بالدور المصري العربي المتكامل، وصولًا إلى احتضان مصر لنا كأسرى محررين.

من القلب، أتقدم بخالص التحية وأعمق الشكر والاعتزاز بشعب مصر وقيادته على دعمهم الثابت واحتضانهم لنا.

س/ بعد نيلك الحرية، ما الذي تفكر فيه مستقبلًا؟ وما مشاريعك الأدبية القادمة؟

الآن تركيزي على نص كنت قد كتبته داخل السجن، لكنه ظل حبيس ذهني، لأنهم صادروا الأقلام والدفاتر خلال الحرب، وهذا النص سيرى النور خلال الشهرين القادمين، بعد أن أستقر وأستعيد إيقاع الحياة من جديد.

س/ هل تعتبر كتاباتك تنتمي إلى ما يُعرف بأدب السجون؟

لا، أنا لا أكتب "أدب سجون"، وأدبي يمكن تسميته بـ “عابر للسجون” وكل ما كتبته كان أدبًا إنسانيًا يتجاوز الجدران والأسوار، وربما في المستقبل أعمل على دراسة أكاديمية توثق تجربتنا داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.

س/ لو أتيح لك كتابة سيرتك وتجربة السنوات الطويلة خلف قضبان العدو، ماذا ستسميها؟

لم أحدد الاسم بعد، لكن ربما أسميها: "حرب أسير الحرب" _ عن سنوات المواجهة داخل زنازين الاحتلال الإسرائيلي.

تابع مواقعنا