الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

هذا تأويل رؤيا السيسي لقائده السادات

الأربعاء 15/أكتوبر/2025 - 09:49 م

التاريخ لا يكرر نفسه حرفيًا، لكنه يعيد إنتاج مشاهده بروح مختلفة وأسماء جديدة، فالمواقف تتشابه وإن اختلفت الأزمنة، وتبدل الأشخاص، لكن فلسفة القيادة تبقى واحدة، تستمد قوتها من وعيها باللحظة وقراءة عميقة لمعادلات القوة.

وعند المقارنة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الراحل محمد أنور السادات، تتجلى ملامح تشابه واضحة بين الرجلين، فكلاهما تولى قيادة الدولة في أحلك الظروف، وسط أزمات داخلية وضغوط خارجية، وتمكّن كلٌّ منهما من تحويل لحظة التحدي إلى مشروع بقاءٍ للدولة واستعادةٍ لمكانتها الإقليمية والدولية.

السادات جاء إلى الحكم في لحظة كانت فيها مصر تستعد لحرب مصيرية لاستعادة أرضها في سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، وسط أوضاع اقتصادية منهكة وصراعات داخلية حادة، ومع ذلك، خاض حرب أكتوبر المجيدة، وحقق بها نصرًا عسكريًا ومعنويًا أعاد لمصر كرامتها، قبل أن يبدأ مسارًا سياسيًا شجاعًا أنهى الحرب وأرسى اتفاقية سلام غير مسبوقة، في خطوة جريئة فتحت صفحة جديدة في تاريخ الشرق الأوسط.

وبعد عقود، جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي في ظرف لا يقل صعوبة، بعد ثورة وانقسام داخلي وصعود جماعات إرهابية سعت للسيطرة على الحكم، في وقت كانت فيه مؤسسات الدولة مهددة بالتفكك والوضع الاقتصادي على حافة الانهيار، إلا أن السيسي، خلال سنوات قليلة، أعاد للدولة تماسكها، وأحكم السيطرة الأمنية، وأطلق مشروعات تنموية عملاقة وضعت البلاد على طريق الاستقرار والنمو، في محاولة لتأسيس قاعدة قوية لدولة حديثة.

وكما خاض السادات حربًا ضد عدو خارجي على أرض سيناء، خاض السيسي حربًا ضد عدو من نوع آخر، تدعمه قوى خارجية، يتمثل في الإرهاب الذي حاول استيطان شمال سيناء، ومع مرور الوقت، تمكنت الدولة من القضاء على البؤر الإرهابية وإعادة الأمن إلى تلك المنطقة، تمهيدًا لمرحلة إعادة إعمارها وتنميتها.

ولم تتوقف أوجه التشابه عند هذا الحد؛ فمثلما حمل السادات على عاتقه مهمة إنهاء حرب الشرق الأوسط، يحمل السيسي اليوم مسؤولية إنهاء الحرب على قطاع غزة ومنع تهجير الأشقاء الفلسطينيين، متمسكًا بدور مصر التاريخي في حفظ الأمن الإقليمي والدفاع عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية.

ورغم محاولات بعض القوى الإقليمية سحب هذا الملف من يد القاهرة، ظل الموقف المصري ثابتًا وهادئًا، حتى تمكنت الدبلوماسية المصرية، بالشراكة مع الولايات المتحدة، من الوصول إلى اتفاق لوقف الحرب على غزة، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما فعله السادات في مفاوضات كامب ديفيد، حين فاجأ الجميع بقراره التاريخي، وقاد المنطقة من الحرب إلى السلام.

وكما وقّع السادات بالأمس اتفاقية سلام أنهت حرب الشرق الأوسط ومهدت لشرق أوسط جديد، يسير السيسي اليوم على خُطى قائد الحرب والسلام، ساعيًا لبناء شرق أوسط مستقر، خالٍ من النزاعات، قوامه التنمية والتعاون لا الصراع والغزو.

ربما يكون هذا هو المعنى الأعمق لتأويل رؤيا السيسي للسادات في لقاء رمزي بين قائدين جمعتهما فلسفة الدولة، وشجاعة القرار، وإيمان راسخ بأن السلام الحقيقي لا يتحقق إلا من موقع قوة.

تابع مواقعنا