إسرائيل اغتالت طفولته فأصبح مناضلًا.. الأسير الفلسطيني المُحرر مراد أبو الرب يروي كواليس أسره 20 عامًا
أطفال فلسطين ليسوا كغيرهم، فهم يعيشون ويلات حرب ليست كغيرها، حرب لا تخمد ولا تترك لهم الفرصة لالتقاط الأنفاس وتضميد الجروح، حرب جعلتهم لا يعرفون اللعب سوى بالحجارة، ولا صوت يعلو على أصوات الرصاص.. ليلهم لا يعرف السكون بسبب المداهمات المستمرة، ونهارهم مُشبع بأوجاع الفقد والتقييد، ولعل هذا ما جعل الروح النضالية مسؤولية ملقاة على عاتقهم، فأصبحت المقاومة ليس اختيارا.
من هو الأسير الفلسطيني المُحرر مراد أبو الرب
مراد أبو الرب، أحد الأسرى الفلسطينيين المُحررين في الصفقة الأخيرة، والذي عاش 20 عامًا في سجون الاحتلال بعد أن حكم عليه بالسجن مدى الحياة، وهو نموذج لنشأة الطفل الفلسطيني الذي وُلد وعيه السياسي مبكرًا بسبب الممارسات الإسرائيلية الطاغية على أرضه، فخلقت منه الشاب المناضل، سرد مراد أبو الرب تفاصيل 20 عامًا قضاها في سجون الاحتلال الإسرائيلي:
في البداية حدثنا عن نشأتك وكيف بدأت مرحلة النضال السياسي؟
أنا ولدت في بلدة جلبون شرق مدينة جنين المحتلة، وعشت الممارسات السادية للاحتلال منذ نعومة أظافري، فأتذكر جيدا أول مرة داهمت قوات الاحتلال منزلي وأنا في عمر الـ10 سنوات، بعد أن طعنت شقيقتي جندي إسرائيلي، وأيضا كان شقيقي عبد السلام معتقلًا، وفي أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الأولى عشت طفولتي في معاناة بسبب الاقتحامات الليلية لبيوتنا وما أخلفته من مشاعر خوف وفزع ورعب.
كنا أطفالَا نواجه بالحجارة، وما أن دخلنا مرحلة الشباب تحول النضال لواقع نعيشه بسبب استمرار الممارسات القاسية ضد شعبنا.
وكيف ومتى تم اعتقالك؟
النضال الحقيقي بدأ بعد التحاقي بكلية الفنون في جامعة النجاح الوطنية التي كانت معقلًا لثوار الانتفاضة الثانية، ثم أصبحت عسكريًا وأحد ضباط السلطة الفلسطينية في عهد الراحل ياسر عرفات، وبعد تدنيس شارون للمسجد الأقصى بدأت الانتفاضة الثانية فشاركت دفاعًا عنه، وحملت السلاح ضد الأعداء.
وانتسبت لكتائب شهداء الأقصى فسطرنا آيات من الدفاع عن كرامة وطننا، ونفذنا عدة عمليات، وقتلت 4 جنود إسرائيليين، فظللت مطاردًا 4 سنوات حتى تم القبض عليّ عام 2006، واستمر عزلي لشهور حتى تم الحكم عليّ بـ 4 مؤبدات.
صف لنا معاناة أسرتك خلال فترة اعتقالك أنت وشقيقك؟
الحقيقة أن معاناة الأسر تفوق معاناة الأسير نفسه، فمطاردة الأسير تنتهي بعد دخوله المعتقل ويعاني ما يعانيه، لكن الأسر تعيش ألم الفقد والحزن والقلق عن ما يحدث معنا وما يسمعونه من معلومات عن تعذيبنا، كما أن الاقتحامات تظل مستمرة على منازلنا، فعلي سبيل المثال منزل أسرتي تم تدميره أكثر من مرة خلال فترة اعتقالي.
وكيف استكملت تعليمك داخل السجون الإسرائيلية وأصبحت مسؤولا عن تعليم الطلاب الأسرى؟
كنت قد حصلت على البكالوريوس قبل دخولي المعتقل، وبعد الأسر أكملت تعليمي وبدأت أحاول تجميع ما يمكن تجميعه لتقوية قاعدتي العلمية، وبالفعل حصلت على الماجيستير في العلوم السياسية، وبدأت عمل دورات علمية وتدريبية للأسرى الدارسين بمراحل الثانوية العامة والجامعة، وأصبحت محاضرًا لهم ومشرفا على تعليمهم.
وما لا يدركه البعض أن غالبية الأسرى ذات خلفيات علمية متنوعة ومتميزة، ولديهم شغف بالتعلم والكتابة والقراءة، وهو ما ساعدهم على نقل العلوم لبعضهم البعض وللطلاب الأسرى.
وكيف تم التعامل معكم بعد عملية طوفان الأقصى؟
بعد 7 أكتوبر 2023 واجهنا ضغوطات جديدة، فتم منع الزيارة كليًا عنا، وأصبح لا قانون داخل السجن والسجان هو من يتحكم في كل شيء فزادت الممارسات الطاغية علينا، ورغم أننا كنا مغيبين عن مجريات الأمور وما يحدث في غزة، ومع كل عنف واجهناه كنا نتوقع حجم الأحداث الكبيرة.
أما الأكثر ظلما هو أن بن غفير وزير الأمن الإسرائيلي أخذ من طوفان الأقصى فرصة لإعدام عدد كبير من الأسرى.
وهل توقعت أن يتم تحريرك في الصفقة الأخيرة؟
الانتظار داخل السجن كان قاسيًا، كنا ننتظر الموت أو الخروج، وكانت المقاومة أملنا الكامل في الحرية لوطننا ولنا، وانتظرنا بفارغ الصبر أي صفقة لتحريرنا.
وكيف تم التعامل معك بعد ضم اسمك لقائمة المُفرج عنهم؟
آخر يومين بالتحديد عانيت عذاب ما يوازي العشرين عامًا الماضية، وتم ضربنا جميعا بقوة حتى أنني تعرضت لكسر في الأنف وأصبحت أتنفس فقط من الجانب الأيمن منها، وكسرت بعض أسناني، وتم تقييدي بالكلبشات دون فكها فتسببت في إصابات بالغة بيدي.


وكيف استقبلت خبر إبعادك عن وطنك ونقلك إلى مصر؟
السجان أبلغنا بالأمر وكان يتوقع رفضنا هذا العرض ورغبتنا في استكمال حبسنا، ورغم كسرة خاطرنا وقتها لأنني كنت قد أبلغت أسرتي عن طريق وسيط بأنني سيتم الإفراج عني، إلا أنني قلت له أن مصر وطني الثاني وقلب العروبة.
وهل تمكنت من رؤية أسرتك بعد وصولك إلى مصر؟
بعض الأسرى بالفعل تمكنوا من رؤية أسرهم الذين حضروا والتقوا بهم، لكنني للأسف أسرتي لم تستطع الخروج، وأهلي أصيبوا بانهيار عصبي عندما علموا أنني مُبعد.
وأملي في الله كبير أن يأتي يوم نلتقي فيه داخل وطننا ونجمع شملنا.



