الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

«تورتة البرلمان» و«العمدة الناقص»..! (2-2)

محمود علي
مقالات
محمود علي
الإثنين 21/يوليو/2025 - 10:53 م

في بداية جلستنا نادى العمدة الذي اتضح لاحقا أنه ليس بعمدة على ماسح أحذية وأعطاه حذاءه، وبدأ يوجه له عدة أوامر بشكل مستفز وفي النهاية أعطاه 5 جنيهات! وأقسم على الرجل الغلبان الذي استصغر هذا المبلغ وطلب منه 15 جنيها أنه لن يعطيه أكثر من ذلك! ناهيك عن تصرفات أخرى طفولية وأكثر استفزازًا لفتت الأنظار إلى جلستنا.

كنت أعتقد أنها لحظة عفوية يريد أن يرسم من خلالها صورة العمدة الكريم ابن البلد صاحب "الإيد الفِرطة"، لكنه سرعان ما شتت انتباهي بحركات أخرى أكثر استفزازًا وطفولية، وبدأ يخرج هاتفه من جيب الصديري ويقلب في مجموعة كبيرة من الصور لشخصيات عامة يفتخر أنه على صلة بها، وجعلها محورا رئيسيا للجلسة، وتحولت الجلسة إلى معرض للصور وتعليقات على هذه الصور، كلٌّ حسب أهميته، ففي إحدى الصور ظل يعلق عليها لمدة تجاوزت النصف ساعة!

بدأت أشعر بالملل، وأُرسل له إشارات غير مباشرة بهذا الشعور، وأوجه إليه أسئلة غير صريحة بمعرفة المغزى وراء هذا اللقاء الثقيل على قلبي، واستقبل العمدة الناصح أو المتناصح الإشارة وصعقني بمفاجأة مدوية، فهو يريد الترشح على مقعد في انتخابات مجلس النواب! حاولت إخفاء معالم الدهشة والضحك من على وجهي، وبدأت أسأله ماذا قدم لأهل بلدته قبل أن يقدم على هذه الخطوة؟

لمعت عيناه بنظرة تحمل طابع بلاهة وغباء فطري ثم قال إنه يعرف كيف تؤكل التورتة، سألته ماذا يقصد بالتورتة التي يريد أكلها، فأجابني: "البرلمان" وبدأ يشرح لي نظرته للانتخابات بشيء من التفصيل: "بص يا محمود بيه البرلمان ده عامل زي التورتة.. يعني فيه أحزاب كبيرة ودي بيكون نصيبها في التورتة أكبر يعني عدد كراسيها أكبر.. وفيه أحزاب صغيرة بيكون نصيبها أقل ودي سياسة بقى أنا خبير فيها ولعبة عارف أصولها.. كمان فيه نظام قوائم مغلقة يعني لو قائمة قوية ونزلت مرشح واحد هينجح بنسبة 100% حتى لو ماخدش ولا صوت لأن مفيش مرشح قصاده".

شعرت بالدوار وبدأت أتواجد مع العمدة بجسدي فقط وطار عقلي ورجعت ذاكرتي للوراء سنوات، وبدأت أتلمس إجابات منطقية لأسئلتي حينها، لماذا وُضِع نظام القائمة المغلقة على مرشح وحيد؟! وما هي فائدة الانتخابات والمرشح ناجح ومطمئن و"حاطط في بطنه بطيخة صيفي" وضامن النجاح حتى لو لم ينتخبه أحد؟!

بدأ العمدة يفتح قلبه، وبدأت أحترمه -قليلا- وفاجأني بأنه ليس بعمدة وإنما عادة قريتهم أن يطلقون لقب عمدة على أي شخص يمتلك أرضا فوق الخمسة أفدنة! وأنه لم يكمل تعليمه وتوقف عند محطة الصف الثاني الثانوي، الذي رسب فيه سنوات طويلة، واعتبره محطة فارقة ودع التعليم بعدها.

وشرح لي تفصيليا كيف تُقسّم "التورتة" من وجهة نظره، ومن وجهة نظر الحزب الانتهازي الذي ينتمي إليه، وكيف يؤثرون على الناخبين قبل الانتخابات بعبارات براقة أو وعود لمصالح شخصية أو شراء أصوات الفقراء، وهذه أشياء لا يحكمها أي قانون في العالم، وإنما ترجع لوازع المرشح الديني وضميره وشرفه، وبدأت أشفق عليه وعلى الأحزاب والنواب الذين وصلوا إلى البرلمان وهم يحملون مبدأ "التورتة"، ماذا سيقولون أمام الله وهو يحاسبهم على تلك الأمانة الثقيلة التي أنفقوا الملايين من جيوبهم ليحملوا أوزارها وأوزارًا مع أوزارهم يوم القيامة؟!

وبدأت أسأل نفسي كيف لهؤلاء الجهلة الوصوليين أن يصبحوا نوابًا عن الشعب، فبعيدًا عن قضاء المصالح المهمة التي تمس حياة الناس، هل يستطيع العمدة أو "نواب التورتة" أن يراقبوا أداء الحكومة ويستجوبوها ويشاركوا في سن القوانين وإصدار التشريعات المصيرية التي تتعلق بمستقبل الناس وهم على هذه الحالة من النقص المتكامل؟!

أصابني صداع شديد واستأذنت العمدة بالانصراف، وبادرني بأنه مرتبط بموعد مهم هو الآخر، وانصرفنا سويا ومشينا في شارع طويل، وهممت بالركوب في ميكروباص، ومد العمدة يده في صديري جلابيته وأخرج محفظته العريضة الضخمة ليدفع لي الثلاثة جنيهات ونصف أجرة الميكروباص، ولم يتركني إلا بعد أن أقسمت عليه بأغلظ الأيمان أن يعيد محفظته إلى مخبئها ويمضي سريعا حتى لا يتأخر عن موعده، وافترقنا إلى الأبد.

تابع مواقعنا