الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

حياة الميكروباص صورة مصغّرة للسياسة

الأربعاء 24/سبتمبر/2025 - 07:19 م

في أزقة القاهرة وعلى طرقها المكتظة، يشكّل الميكروباص مشهدًا يوميًا مألوفًا، لكنه في الحقيقة يختزن دلالات أعمق من مجرد وسيلة نقل شعبي، فالعلاقة بين السائق وركابه يمكن قراءتها كصورة رمزية دقيقة للعلاقة بين المسؤول ورعيته، حيث تتجلى فيها عناصر القيادة، الصمت، والجرأة المقيّدة بالمسافة.

السائق، بصفته الممسك بالمقود، يشبه المسؤول الذي يقود رعيته نحو الوجهة المفترضة، فهو من يحدد سرعة السير، ويتحكم في مسار الرحلة، بينما يظل الركاب أسرى لمقعدهم، ينتظرون اللحظة المناسبة لإخطار السائق بمحطتهم.

لكن، تماما كما في السياسة، صوت الراكب لا يصل دائما إلى مقصده، فالمقاعد الخلفية، بكل ما يحيطها من ضجيج الطريق وصخب الموسيقى، تحجب النداء، وتجبر الراكب على رفع صوته وربما الانفعال ظنا أن السائق يتجاهله، بينما الحقيقة أن السائق لا يسمعه ببساطة.

وهنا يبرز التشابه مع المسؤول الذي قد يبدو غير مبالٍ بمطالب المواطنين، بينما في الواقع قد يحول بينه وبينهم جدار من البيروقراطية، أو صخب الأولويات، أو حتى سوء أدوات التواصل.

المفارقة الأوضح تتجلى في كرسي الشيطان الأخرس، المقعد المجاور للسائق، فمن اعتاد رفع صوته في المقاعد الخلفية، سرعان ما يصمت عندما يجلس بالقرب من مقعد القيادة، وكأن جرأته تتبخر عند مواجهة السلطة عن قرب، فذاتها الحالة التي نراها في المجال السياسي، المواطن أو الناقد الذي يعلو صوته كلما ابتعد عن مركز القرار، لكنه يتراجع إلى الصمت إذا ما اقترب من السلطة وجهًا لوجه.

بهذا المعنى، يتحول الميكروباص من مجرد وسيلة مواصلات إلى معمل اجتماعي سياسي، يكشف عن طبيعة العلاقة بين القيادة والجمهور، فالمسؤول، مثل السائق، بحاجة إلى آليات أوضح للإنصات، والراكب المواطن بحاجة إلى قنوات تواصل تضمن وصول صوته دون أن يضطر إلى الصراخ أو الصدام.

فالقيادة ليست فقط فن توجيه المقود، بل فن الإصغاء إلى الركاب، والرحلة الناجحة لا تُقاس بالوصول إلى المحطة النهائية فحسب، بل بقدرة السائق على إدراك أن كل راكب له محطة تخصه، وأن تجاهلها يخلّ بتوازن الرحلة بأكملها.

تابع مواقعنا