الإثنين 29 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

سنابل فوق الرمال.. التوسع الأفقي عقد من التحول الزراعي في مصر (1-1)

مشروعات التوسع الأفقي
تقارير وتحقيقات
مشروعات التوسع الأفقي واستصلاح الأراضي في مصر
الأحد 28/ديسمبر/2025 - 11:00 م

علاء فاروق وزير الزراعة: إضافة 4.5 مليون فدان للرقعة الزراعية خلال عام ستكون مساحة تتجاوز ثلث الرقعة الزراعية الحالية

وزير الزراعة اللبناني: التجربة المصرية الخاصة بتطوير القطاع الزراعي تمثل نموذجًا رائدًا على المستوى العربي

رئيس لجنة الزراعة والري بمجلس الشيوخ: الدولة نفذت مشروعات قومية كبرى ساهمت في زيادة الرقعة الزراعية 

رئيس الحجر الزراعي: زيادة الرقعة الزراعية أدت إلى ظهور طفرة في بعض المحاصيل القابلة للتصدير

الفاو: تجربة مصر في استصلاح الأراضي خلال العقد الأخير تمثل نموذجًا متقدمًا في التعامل مع تحديات متراكبة

المنظمة العربية للتنمية الزراعية: تجربة مصر تمثل واحدة من أكثر التجارب العربية شمولًا من حيث التخطيط والتنفيذ

شهد القطاع الزراعي المصري خلال العقد الماضي طفرة كبيرة في التوسع الأفقي وهو ما ساهم في زيادة الرقعة الزراعية لتعزيز الأمن الغذائي، وخفض معدلات استيراد المحاصيل الاستراتيجية، إلى جانب خلق مجتمعات عمرانية جديدة وتوفير فرص عمل للشباب.

وقاد قطاع استصلاح الأراضي قاطرة التنمية الزراعية في مصر، حيث ارتفعت المساحات المنزرعة من 8.9 مليون فدان عام 2014 لتصل لأكثر من 10 مليون فدان نهاية العام الجاري، ويستند هذا التوسع الطموح إلى المشروع القومي لاستصلاح الأراضي الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2015، بدءًا بمشروع المليون ونصف المليون فدان التابع لشركة تنمية الريف المصري الجديد، ثم تلاه مشروعات كبرى مثل مشروع “مستقبل مصر”، الذي شكل النواة لمشروع “الدلتا الجديدة”، بالإضافة إلى تطوير مناطق في سيناء والكفرة وسنابل سونو وبني سويف والمنيا وغيرها، ويشرف على تنفيذها جميعا جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، وهو ما يساعد في وصول الرقعة الزراعية في مصر لـ  لـ 13.5 مليون فدان بحلول 2026/ 2027.

ويعد القطاع الزراعي أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، حيث يسهم بأكثر من 15 % من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر فرص عمل لما يزيد عن 25 % من إجمالي القوى العاملة، وهو ما يعزز الاستقرار المجتمعي ويدعم عجلة النمو الاقتصادي، كما ساهمت مشروعات التوسع الأفقي في زيادة الصادرات الزراعية الطازجة والمصنّعة، والتي سجلت نحو 10.6 مليار دولار لعام 2024/2025، بنسبة 26.5٪ من إجمالي الصادرات السلعية، وهو ما يعكس تنافسية وجودة المنتجات المصرية في الأسواق العالمية، ويضع مصر على خريطة الدول الرائدة في الزراعة الحديثة والصادرات، ويضمن تحقيق نمو اقتصادي مستدام على المدى الطويل.

مشروعات عملاقة لاستصلاح وتنمية الصحراء  

 يكشف وزير الزراعة واستصلاح الأراضي علاء فاروق، أن حجم الاستصلاح الزراعي خلال السنوات العشر الأخيرة بلغ نحو مليون ونصف المليون فدان، وهو ما ساعد على زيادة الرقعة الزراعية من 8.9 ملايين فدان عام 2014 لتتجاوز الـ10 ملايين فدان بنهاية العام الجاري، مشيرًا إلى أن مشروع المليون ونصف فدان الذي تنفذه شركة الريف المصري من أبرز مشروعات التوسع الأفقي خلال هذه الفترة، وأن ما جرى تنفيذه فعليًا على الأرض يشمل مشروعات كبرى في غرب غرب المنيا وتوشكى والعوينات والمغرة وغيرها، ذلك بالإضافة إلى مشروعات الدلتا الجديدة، ومشروعات الاستصلاح في سيناء وغيرها، التي أضافت مساحات للرقعة الزراعية، وهي المناطق التي شهدت توسعًا فعليًا في البنية الزراعية وتهيئة الأراضي للزراعة والإنتاج.

علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي
علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي

ويضيف "فاروق" في تصريحات خاصة للقاهرة 24، أن ما تم الإعلان عنه من توسعات مستقبلية، كما صرح به الرئيس عبد الفتاح السيسي، يشمل إضافة 4.5 مليون فدان بنهاية عام 2026، وهي مساحة تتجاوز ثلث الرقعة الزراعية الحالية، لافتًا إلى أن هذه التوسعات تشمل مشروعات جهاز مستقبل مصر وجهاز الخدمة الوطنية في مناطق الدلتا الجديدة وتوشكى والعوينات والوادي الجديد وسيناء، باعتبارها الركيزة الأساسية لسد الفجوة الغذائية وزيادة الصادرات الزراعية.

ويستعرض وزير الزراعة واستصلاح الأراضي أهداف الدولة من التوسع الأفقي الزراعي لمشروعات تنموية عملاقة، تتضمن تعويض الفاقد من الأراضي الزراعية خلال السنوات الماضية، خاصة في فترة ما بعد الثورة، وضمان القدرة على توفير الأمن الغذائي في ظل الزيادة السكانية المتسارعة، كما يهدف التوسع إلى الحفاظ على ريادة مصر في تصدير العديد من السلع عبر زراعة الأراضي البكر، وخلق مجتمعات عمرانية زراعية توفر فرص عمل واستثمار، وهو ما انعكس بشكل واضح على الأمن الغذائي المصري، فقد أصبحت مصر من بين أعلى دول العالم تصديرًا لأكثر من 405 منتجًا زراعيًا إلى ما يزيد على 167 دولة، بما يساهم في توفير العملة الصعبة وجذب الاستثمار الأجنبي، إلى جانب الحفاظ على معدل جيد من الاكتفاء الذاتي رغم التحديات المناخية والسياسية والاقتصادية.

ويوضح أن مشروعات الاستصلاح ساهمت في رفع الإنتاج من المحاصيل الاستراتيجية، حيث قارب إنتاج مصر من القمح نحو 10 ملايين طن، كما أدى التوسع في زراعة الذرة الشامية إلى دعم مشروعات الإنتاج الحيواني وسد جزء من الفجوة العلفية، وفيما يتعلق بمحصول بنجر السكر، فقد لعبت المشروعات الجديدة دورًا مهمًا في تقليص الفجوة داخل السوق المحلي والوصول إلى مستويات متقدمة من الاكتفاء الذاتي من السكر.

ويؤكد الوزير أن الحكومة تتبنى سياسات متكاملة لدعم المستثمرين في القطاع الزراعي، من خلال توفير أحدث الأصناف عالية الإنتاجية والمتحملة للتغيرات المناخية والملائمة لمشروعات التوسع، كما تقدم الدعم الفني والخبرات للمستثمرين لتطبيق أفضل الممارسات الزراعية، فضلًا عن تقديم الدراسات الفنية والاقتصادية وبيانات التربة اللازمة قبل بدء المشروعات، وتشمل السياسات التي تتيحها الدولة المصرية أيضًا كذلك إتاحة التمويل الميسر لدعم الاستثمار الزراعي وتشجيع دخول مستثمرين جدد.

Made with Flourish • Create a chart

تكشف البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن تسارع هائل وغير مسبوق في وتيرة استصلاح الأراضي الزراعية في مصر خلال العقد الماضي، فبعد أن كانت المساحات المضافة تتراوح في مستويات متواضعة بين 14،500 و49،900 فدان سنويًا في بداية الفترة (2013-2016)، شهدت السنوات الأخيرة قفزة نوعية، وبلغت ذروتها في العام المالي 2023/2024 الذي شهد وحده إضافة 610،800 فدان.

التكامل المصري العربي في مجال التنمية  الزراعية المستدامة 


من جانبه، يؤكد الدكتور نزار هاني، وزير الزراعة اللبناني، أن التجربة المصرية الخاصة بتطوير القطاع الزراعي تمثل نموذجًا رائدًا على المستوى العربي، مشيرًا إلى النظرة الشاملة التي تبنّتها الدولة للنهوض بالقطاع وتشجيع الاستثمار فيه، مشيدًا بحجم المشروعات الزراعية والتنموية التي اطّلع عليها خلال زيارته الرسمية إلى مصر في شهر أغسطس الماضي.

ويكشف وزير الزراعة اللبناني، في تصريحات خاصة لـ"القاهرة 24"، من واقع زيارته الأخيرة للقاهرة في شهر أغسطس الماضي، عن ملاحظته للتخطيط المتقن ومستوى الإنجاز في مشروع "مستقبل مصر للتنمية المستدامة" لاستصلاح الأراضي، الذي وصفه بأنه أحد أهم ركائز نجاح التجربة المصرية في استصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية وتوسيع الرقعة الزراعية مؤخرًا.

<strong> الدكتور نزار هاني وزير الزراعة اللبناني خلال زيارته لمصر أغسطس الماضي - ارشيفية </strong>
 الدكتور نزار هاني وزير الزراعة اللبناني خلال زيارته لمصر أغسطس الماضي - ارشيفية 

ويوضح أنه على الرغم من اختلاف حجم لبنان وطبيعته البيئية عن مصر، إلا أن ذلك لا يمنع من الاستفادة من التجربة المصرية، خاصة في مبادئ التكامل وتطوير القطاع الزراعي بصورة مترابطة، مؤكدًا أن هناك تعاونًا كبيرًا وقائمًا في مجال الصادرات الزراعية وكذلك الإنتاج الحيواني، إلى جانب العمل على نقل التجربة المصرية الرائدة في مجال التحول الرقمي الخاصة بـ"كارت الفلاح".

وفي الجانب الاستثماري، يشدد الدكتور نزار هاني على أن هناك العشرات من المستثمرين اللبنانيين يعملون حاليًا في القطاع الزراعي المصري، سواء في إنتاج البذور وتصديرها إلى لبنان أو في زراعة الخضر والفاكهة، مؤكدًا أنهم مستفيدون من التسهيلات التي توفرها الحكومة المصرية لتوسيع نطاق أعمالهم والوصول إلى الأسواق المصرية، في ظل مناخ استثماري جاذب. 

تشريعات جديدة لدعم الزراعة وتوفير مستلزمات الإنتاج وضمان تسويق المحاصيل

يذكر أن صافي قيمة الدخل الزراعي، بلغ 1416.9 مليار جنيه عام 2024، مقابل 1088.5 مليار جنيه عام 2023، بنسبة زيادة قدرها 30.2%، ووصلت قيمة الإنتاج الزراعي 2302.5 مليار جنيه لعام 2024، مقابل 1797.0 مليار جنيه لعام 2022 بنسبة زيادة قدرها 28.1%، وفقا الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

 من جانبه، يكشف الدكتور محسن البطران، رئيس لجنة الزراعة والري بمجلس الشيوخ، إلى أن القطاع الزراعي المصري شهد طفرة حقيقية خلال العقد الأخير منذ عام 2014، حيث بلغ حجم الاستثمارات الزراعية نحو 87 مليار جنيه، منها 38 مليار جنيه استثمارات عامة، وهو ما انعكس على أداء القطاع برفع قيمة الصادرات الزراعية إلى 10.6 مليار دولار، مع مساهمة القطاع في الناتج القومي الإجمالي بنحو 105 مليارات جنيه بنسبة تتجاوز 14%.

ويضيف أن الدولة نفذت مشروعات قومية كبرى، ساهمت في زيادة الرقعة الزراعية ل 10.3 مليون فدان في الوقت الحالي مع إضافة 3.5 مليون فدان بحلول عام 2027، ويتجلى ذلك من خلال مشروعات الدلتا الجديدة وغيرها والتي ينفذها جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، إلى جانب التوسع في المزارع السمكية والإنتاج الحيواني وتبطين الترع وتحسين كفاءة الري، ما أسهم في رفع معدل نمو الإنتاج الزراعي لأكثر من 4% سنويًا، إلا أن هذا التحسن يقابله تحدٍ يتمثل في ارتفاع معدلات الاستهلاك التي تجاوزت 7% بفعل النمو السكاني وزيادة الاستهلاك للفرد، ما يحافظ على الفجوة الغذائية ويجعل استمرار التوسع الزراعي ضرورة لتعزيز الاكتفاء الذاتي.

ويعتبر البطران في تصريحاته “للقاهرة 24” أن مستقبل القطاع الزراعي واعد، في ظل جدية القيادة السياسية واحترافية التخطيط الاستراتيجي وتوفير الاستثمارات اللازمة، معتبرًا أن الأمن الغذائي لمصر يسير في اتجاه آمن إذا استمرت هذه السياسات، مؤكدًا أهمية التوازن بين التوسع الأفقي في الأراضي والصحراء، والتوسع الرأسي عبر البحث العلمي لإنتاج تقاوي محسنة ومحاصيل أقل استهلاكًا للمياه وأكثر إنتاجية.

ويشير إلى أن مجلسي الشيوخ والنواب لعبا دورًا محوريًا في دعم التوسع الزراعي من خلال إعداد الدراسات والتشريعات المتعلقة بجدوى المشروعات القومية، والرقابة على تنفيذها، موضحًا أن الأولويات التشريعية خلال المرحلة المقبلة، تتضمن العمل على توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي بأسعار مناسبة وفي التوقيت الملائم، واستعادة الدور التنموي للبنك الزراعي، وتطبيق أسعار الضمان قبل موسم الزراعة، ورفع كفاءة الري وترشيد المياه، وإصلاح التعاونيات، وتقليل الفاقد من المحاصيل، والتوسع في الزراعة التعاقدية لضمان تسويق الإنتاج واستقرار دخل المزارعين.

تعكس مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 2013/2014 حتى 2024/2025، وفقا للنسب المسجلة استقرارا عند مستويات تدور حول 3% إلى 4% من الناتج القومي الإجمالي، بما يؤكد دوره المستمر كأحد القطاعات الداعمة للاقتصاد الوطني، رغم التحديات الاقتصادية والمتغيرات المحلية والعالمية، بحسب بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية. 

Made with Flourish • Create a chart

طفرة في الصادرات الزراعية المصرية.. بالتزامن مع زيادة الرقعة المنزرعة

وعلى صعيد آخر، ساهمت مشروعات استصلاح الأراضي الزراعية خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل ملموس في زيادة حجم الصادرات الزراعية المصرية، وهو ما يؤكده الدكتور محمد المنسي، رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي المصري، بأن التوسع الأفقي في الرقعة الزراعية، والتي وصلت مساحتها الإجمالية إلى نحو 10.4 مليون فدان، أتاح ضخ كميات أكبر من المحاصيل القابلة للتصدير، ما ساعد في تعظيم الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، مشيرًا إلى أن إجمالي الصادرات الزراعية (الطازجة والمصنَّعة) تجاوزت 10 مليارات دولار خلال عام 2024، ووصلت صادرات المنتجات الطازجة إلى حوالي 8.5 مليون طن بقيمة تتجاوز 4.5 مليار دولار، كما ساهمت هذه المشروعات في إنتاج محاصيل استراتيجية مثل القمح والذرة، ما قلل من فاتورة الاستيراد ووجَّه الفائض التصديري إلى الأسواق الخارجية.

ويشير المنسي، في تصريحات خاصة لـ«القاهرة 24»، إلى أن زيادة الرقعة المنزرعة أدت إلى ظهور طفرة في بعض المحاصيل القابلة للتصدير، وإن لم تكن كلها جديدة بالكامل، حيث تم زراعة أصناف جديدة تجمع بين الميزات الإنتاجية والتصديرية، مشددًا على أن تطور الإنتاجية وجودة المحاصيل ساعد في فتح 105 أسواق جديدة أمام المنتجات الزراعية المصرية، مع قدرتها على إحلال محل سلع بعض الدول الأخرى المتأثرة بالأزمات العالمية ومنافستها بقوة، ويرجع ذلك بفضل الجودة والالتزام بالمعايير الدولية والاشتراطات الفنية.

ولتحقيق تكامل بين الاستصلاح الزراعي والتصدير، يكشف المنسي أنه تم إطلاق خطط وبرامج ربطت مشروعات الاستصلاح ببرامج الحجر الزراعي، منها تطوير منظومة التتبع والتكويد التي تغطي 11 محصولًا رئيسيًا للتصدير، مثل العنب، والفراولة، والفلفل، والجوافة، والرمان، والموالح، والمانجو، والبصل، والتمور للصين، والخوخ للاتحاد الأوروبي، لافتًا إلى أن هذه المنظومة تشمل وضع «أكواد» للمزارع التصديرية تحت إشراف كامل من الحجر الزراعي، بهدف تنمية الصادرات، وتقليل حالات رفض الشحنات، وزيادة جودة الإنتاج.

وشدد المنسي، خلال حديثه، على أن الحجر الزراعي يدعم المستثمرين المحليين والأجانب في مشروعات الاستصلاح الزراعي لتحقيق أهداف الأمن الغذائي والتصدير، من خلال ضمان جودة الصادرات وتعزيز الامتثال للمعايير الصحية والفنية الدولية، وتوفير الشهادات والوثائق اللازمة، بالإضافة إلى تسريع إجراءات التصدير.

تُظهر بيانات الحجر الزراعي المصري، تطورًا لافتًا في كميات الصادرات الزراعية المصرية خلال العقد الماضي، مع اتجاه عام تصاعدي يعكس توسع قاعدة الإنتاج ونجاح جهود فتح الأسواق الخارجية، فبعد مستويات أقل في منتصف العقد، بدأت الصادرات في الارتفاع التدريجي، قبل أن تسجل قفزات واضحة خلال السنوات الأخيرة، وصولًا إلى أعلى مستوياتها في عام 2024، وهو ما عزز من قدرة القطاع الزراعي على دعم الاقتصاد وزيادة حصيلة الصادرات.

Made with Flourish • Create a chart

مصر نموذجًا عربيًا متقدمًا في استصلاح الأراضي

يرى الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد والممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا لمنظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، أن تجربة مصر في استصلاح الأراضي خلال العقد الأخير تمثل نموذجًا متقدمًا في التعامل مع تحديات متراكبة تشمل النمو السكاني، وندرة الموارد المائية، وضيق الرقعة الزراعية، مشيرًا إلى أن مصر حققت تقدّمًا ملموسًا في استصلاح الأراضي الصحراوية، مع ربط التوسع الزراعي بتحديث نظم الري وإدارة الموارد المائية، بما يسهم في زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين كفاءة استخدام الأرض والمياه، إلى جانب دعم التنمية الريفية وتحسين سبل المعيشة.

ويكشف الدكتور عبد الحكيم الواعر، في تصريحات خاصة "للقاهرة ٢٤"، أن أبرز نقاط القوة تكمن في التوجه الواضح نحو إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، إلى جانب التحوّل التدريجي إلى نظم الري الحديثة مثل الري بالتنقيط والرش بدلًا من الري بالغمر، لافتًا إلى أن هذا النهج سمح بتحقيق إنتاج أفضل باستخدام كميات أقل من المياه، وساعد على التعامل مع تحديات ندرة المياه وارتفاع ملوحة التربة، خاصة في المناطق الجديدة.

وأكد أن التوسع الزراعي في مصر يسهم في تعزيز الأمن الغذائي الوطني من خلال زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية في ظل الأزمات العالمية، كما يعزز قدرة مصر على توفير منتجات زراعية للأسواق الإقليمية، شريطة أن يكون هذا التوسع مصحوبًا بتحسين الإنتاجية، وتقليل الفاقد، ودعم صغار المزارعين الذين يمثلون العمود الفقري للإنتاج الزراعي، موضحًا أن التجربة المصرية قابلة للتطبيق والاستفادة في دول عربية وإفريقية تواجه تحديات مماثلة في ندرة المياه، بشرط توافر إدارة متكاملة للموارد المائية، والاعتماد على نظم الري الحديثة، واختيار محاصيل مناسبة للظروف المناخية والبيئية، مع ربط مشروعات الاستصلاح بالتنمية المجتمعية ودعم سبل العيش.

وتطرق الواعر إلى أن الفاو توصي لاستدامة هذه المشروعات بالتركيز على رفع كفاءة استخدام المياه، ومواصلة تحديث نظم الري، ومعالجة تحديات ملوحة التربة، إلى جانب دعم صغار المزارعين من خلال الإرشاد الزراعي ونقل المعرفة العلمية، مثل المدارس الحقلية، مع مراعاة آثار تغير المناخ لضمان استدامة الإنتاج الزراعي على المدى الطويل.

من جانبه، يقول الدكتور إبراهيم آدم الدخيري، المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية، إن تجربة مصر في استصلاح الأراضي خلال السنوات الأخيرة تمثل واحدة من أكثر التجارب العربية شمولًا من حيث التخطيط والتنفيذ، ليس فقط بحجم المساحات المستصلحة، وإنما بطبيعة النموذج الذي اعتمدته الدولة في التوسع خارج الوادي والدلتا، موضحًا أن المشروعات القومية الكبرى، مثل الدلتا الجديدة ومستقبل مصر وتوشكى، عكست انتقالًا من استصلاح تقليدي محدود إلى مشروعات متكاملة ترتبط فيها الأرض بالبنية التحتية والإنتاج والتصنيع الزراعي.

ويشير الدخيري في تصريحاته "للقاهرة ٢٤"، إلى أن العنصر الحاسم في التجربة المصرية يتمثل في الإدارة الفنية للموارد، خاصة المياه، حيث جرى الاعتماد على مصادر غير تقليدية، من بينها إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي المعالج، إلى جانب التوسع في نظم الري الحديثة عالية الكفاءة، مؤكدًا أن هذا التوجه مكّن مصر من زراعة مساحات صحراوية واسعة دون استنزاف الموارد المائية التقليدية، وهو ما تعتبره المنظمة نموذجًا مناسبًا للدول العربية التي تعاني من شح المياه وضيق الرقعة الزراعية.

وفي ظل التغيرات المناخية المتسارعة، يلفت مدير المنظمة إلى أن مصر قدمت تطبيقًا عمليًا لمفاهيم الزراعة الذكية مناخيًا، من خلال توظيف التقنيات الرقمية ونظم الاستشعار عن بُعد في إدارة الأراضي والمياه، فضلًا عن استخدام أدوات حديثة للتنبؤ بالإنتاج ومواجهة الآفات، كما جرى التركيز على اختيار تركيب محصولي يتلاءم مع طبيعة المناخ الجاف، بما يرفع إنتاجية وحدة الأرض والمياه ويعزز الاستدامة.

ويؤكد الدخيري أن أهمية التوسع الزراعي في مصر لا يقتصر على تحقيق الأمن الغذائي الوطني، بل يمتد إلى دعم الأمن الغذائي العربي القائم على التكامل، معتبرًا أن ما تمتلكه مصر من خبرة تنفيذية ومساحات قابلة للاستصلاح يؤهلها لتكون دولة مرجعية تنقل تجربتها إلى دول عربية أخرى، في إطار شراكات إقليمية طويلة الأجل تجعل من استصلاح الأراضي ركيزة للتنمية والاستقرار الغذائي في المنطقة.

تابع مواقعنا